مكافحة العنف

مكافحة العنف
Mp3 indir

Mp4 indir

HD indir

Share

Paylaş

تحميل mp3
Share

يشارك

سؤال: يُعدّ العنف من أعظم المشاكل التي تواجه الإنسانية اليوم، فما المسؤوليات التي تقع على عاتق الذين نذروا أنفسهم للخدمة في سبيل الله من أجل الحيلولة دون وقوع هذا العنف؟

الجواب: من أهم الأهداف التي يصبو إليها مَن نذروا أنفسهم للدعوة الإيمانية والقرآنية هو الحيلولة دون وقوع شتى أنواع العنف الموجودة أو المحتملة؛ لأن من أولوياتهم أن يكونوا دواءً لآلام الإنسانية المادية والمعنوية.. ولا جرم أن العنف هو من أخطر المشاكل التي تضرّ الإنسانية، ولذلك ينبغي لهم أن يضعوا الخطط والإستراتيجيات المتعلقة بهذا الشأن على قدر طاقاتهم وتَفَتُّقِ أذهانهم.

أجل، على أصحاب هذه القلوب المتفانية أن يبيّنوا القيمة العالمية التي تتمتّع بها مفاهيمُهم الدينية وعوالمُهم الفكرية ومناهجُهم العقائدية المهملة حتى الآن وكأنها أشياء بالية، والخير العميم الذي تعود به هذه الأمور على الإنسانية جمعاء.. إننا نؤمن بأن قيمنا الذاتية ستسهم في حلّ العديد من المشاكل المزمنة التي نعيشها اليوم، فيجب ألا نحرم الإنسانية من هذه القيم، وأن نعتبر تقديمها لصالح الإنسانية من أعظم واجباتنا، لكن يجب عند القيام بذلك ألا نخطئ الأسلوب والمنهج، وأن نبتعد عن شتى صنوف القهر والإكراه، وأن نلتزم بالمواقف والسلوكيات التي جعلناها ديدنًا لنا منذ البداية عند شرح القضايا التي نريد إخبارهم بها.

فمع الأسف الشديد ما زالت بعض الطوائف اليوم تحمل أحكامًا مسبقة عن الإسلام، وتتخذ تجاهه موقفًا عدائيًّا، كما أسهم بعض الجهلاء من بني جلدتنا في تشويه صورة الإسلام الناصعة، فحالوا دون أن تنهل الإنسانية من منهل الإسلام العذب المورود، حتى ظهر الإسلام في عديد من المناسبات عنوانًا للعنف والتطرف، وبدا وكأنه دين البرابرة والهمجيين، ومن ثَمّ لم توات الكثيرين الفرصة للتعرف على قيمه الذاتية.. من أجل ذلك فإن من أعظم المهام التي تقع على عاتق المؤمنين الذين يؤمنون بالله حقّ الإيمان هو أن يبينوا للجميع أن الإسلام ليس بالدين الذي يغذّي العنف والتطرف، وأنه أجدى ترياق لهاتين المصيبتين اللتين بُليت بهما الإنسانية.

ولا ننسَ أنكم إن لم تهتموا بالمشاكل التي تهمّ الناس فلن يبالوا هم أيضًا بمشاكلكم، وإن لم تقوموا بما هو منوطٌ بكم أمام المشاكل المزمنة مثل الفقر والجوع والعنف والتطرف وغيرها من المصائب التي تهدد الإنسانية جمعاء فلن تحصلوا على الدعم الذي تريدون حتى عند قيامكم بأنفع مشروعاتكم في ساحات أخرى.. فمن يرونكم لا تهتمون بقضاياهم الخاصة لن يساندوكم عندما تكونون في أمس الحاجة إليهم، وبذلك تظهر مدى الأهمية التي تحملها رعايتكم للأشياء التي تريدها وتنتظرها منكم الإنسانية وقيامُكم بما في وسعكم في سبيل ذلك.

الحوار والتسامح

وبشكل أكثر تحديدًا نقول: إن تعزيز ثقافة الحوار والتسامح تأتي على رأس السبل التي تسهم في منع العنف؛ حيث إن هذا سيساهم في أن يجتمع الناس حول طاولة واحدة، ويتعرّفون عن قرب ببعضهم، ويتعلمون معنى التعاون وتسوية الخلافات، ويطوّرون تجربة التعايش معًا دون نزاع.

قد يصدكم الناس في البداية أو يعاملونكم بتحفّظٍ قبل أن يفهموا غرضكم ومقصدكم، بيد أنه إذا أمكن عرض ضرورة ومعقولية المسألة بأسلوبٍ لائقٍ سينضم الجميع إلى هذه الطاولة، فرغم أن متطوعي الخدمة يؤكدون على أنشطة التسامح والحوار منذ تسعينات القرن المنصرم، ويحاولون القيام بها في حدود إمكاناتهم، وكانت تُقابل بالاعتراض والرفض من قبل البعض؛ فقد بدأت مختلف الطوائف والشعوب بل وحتى الدول في الاستجابة لها والإعلان عنها فيما بعد، أما عن المرحلة التالية فتتمثل في إيجاد طرق لتنفيذها ونشرها بشكل أكثر منهجية.

لقد خلق الله تعالى كل إنسان بمثابة عالَمٍ مختلفٍ، فلكلّ أمة قيمها وثقافتها الخاصّة، ومن الصعب للغاية جمع الناس على خطٍّ مشترك وقيم واحدة، فهذا أمر يعتمد على الإقناع ومناشدة القلوب، وهذا أيضًا ليس بالأمر الهين، ومع ذلك يمكننا أن نجعل السلام يهيمن على الأرض ولو بقدر ما، وأن نقبل الجميع في موقعه، وأن نزيل أسباب النزاع، وأن نتعايش معًا في سلامٍ وأمان، فواجبنا على الأقل هو أن نجتهد بهذه الطريقة وأن نكون ممثلين للسِّلم والسلام.

إن احترام الآخرين لكم يتوقّف على احترامكم لهم، فلو أنكم لم تقصروا في احترامكم للأديان والثقافات والحضارات الأخرى فستثيرون في أصحابها مشاعر الاحترام لمناهجكم العقائدية، وسيعود عليكم هذا الاحترام يومًا ما، فإن كان ما تُلقونه على غيركم سيعود عليكم بالمثل؛ فعليكم أن تلقوا كل ما هو جميل حتى إذا عاد عليكم لا يهشّم رؤوسكم ولا يكسر أسنانكم.

تطوير الوسائل البديلة

أما عن الوظيفة التي يجب القيام بها اليوم فهي الانطلاق بخطّة إجمالية أساسها احترام الموقع، والتسامح، والحوار، والسلام… إلخ؛ لأن كل حركة تتطلّب فكرًا وخطّة ومشروعًا مسبَقًا، ولكن لتكن فكرة إجمالية أوّلًا؛ لأنكم لا تعرفون بالضبط ما الذي تواجهونه في بداية هذا الأمر، ولكن بعد التحرك والانطلاق يمكنكم أن تضعوا خططًا أكثر تفصيلًا تتوافق مع الأشياء التي يفرضها عليكم الزمان والظروف والأوضاع الراهنة.. ويمكن أن تطلقوا عليها خططًا ثانوية يتطلّبها الانتشار والتوسعة.. إننا لا نستطيع قطعًا أن نتنبأ من الآن بما سينشأ مستقبلًا عن الأنشطة الحوارية التي نقوم بها اليوم، ولذا علينا أن نواصل التفكير أثناء سيرنا في الطريق، وأن نراجع خططنا ومشاريعنا وفقًا للأوضاع الجديدة التي نواجهها، ونعيد النظر في تحركاتنا وفقًا لذلك، وهكذا نعمل طوال سيرنا في الطريق، فلو صادفنا مشكلةً؛ جلسنا، وخططنا من جديد، ووضعنا حلولًا بديلة.

وحتى وإن اختلفت الآراء بشأن الاجتهاد في استصدار أحكام فقهية جديدة فلا ريب أن باب الاجتهاد والاستنباط مفتوحٌ عند تحديد الأعمال التي يتعين القيام بها من أجل الخدمة، فمن الممكن إجراء اجتهادات جديدة على الدوام وفقًا للوقت والظروف من أجل التغلّب على المشاكل التي نواجهها.

ومن ثم فإنكم ستحاولون بكل هذا الجهد والسعي الذي ستبذلونه على المستوى الفكري والحركي أن تلقوا بذور الحب والسلام بين الناس، وأن توقفوا دوامة العنف وتعطلوها.

قوة التمثيل

لا بد أن تعلموا أنكم إن لم تستأصلوا الحقد والكره من الصدور بأي شكل كان؛ فلن تقدروا على مقاومة العنف والإرهاب والتطرف، ولن تستطيعوا إقناع الذين لا يبرحهم الغلّ والحقد في حلِّهم وترحالهم بأنه من الممكن التعايش معًا في حبٍّ وسلامٍ على هذه الأرض التي نتشارك العيش فيها، فهذه كلها أشياء يغذّي ويدعم بعضُها بعضًا، فكما يولِّد الحقدُ والكرهُ العنفَ، فكذلك العنفُ يولد أحقادًا وضغائن جديدة، فإن أردتم أن تحطّموا هذه الدائرة الفاسدة فعليكم أن تعلِّموا الناس الحب والعفو والاحترام.

وهذا يقتضي اتباع أوامر القرآن، والتعرف على الجميع، ومصافحتهم، وفتح موائدنا وقلوبنا لهم، فليس بالإمكان تعريف أنفسكم إلى الناس ولا معرفتهم دون مقابلتهم عدة مرات، ومشاركتهم المائدة، ومجالستهم ومحاورتهم.. كما لا يمكنكم سدّ الفجوات التي طال عليها الأمد، وتسوية التلال، وعبور بحار الدم والصديد، وبالتالي بث إلهامات أرواحكم وانفعالات قلوبكم في نفوس الناس؛ دون أن تقضوا وقتًا طويلًا معهم، أو تنشئوا جسور الصداقة بينكم وبينهم.

إنَّ من أعظم أسباب العنف عدم تعرف الناس على بعضهم بما يكفي، واغترابهم عن بعضهم، فكلما زاد اللقاء والحوار أدرك الجميع بشكل أفضل أنه لا داعي للحقد والكره والعنف، وسيرى الذين وصموكم بأسماء وألقاب مختلفة منذ وقت بعيد وامتلأت نفوسهم بالخوف والرعب منكم؛ أنكم لستم كما صوَّرَت لهم عقولهم، ولكن أكرر أن هذا لا يتحقق في التوّ واللحظة، فلا بد من جيل أو جيلين على الأقل حتى يستقر هذا الأمر الذي شرعنا فيه بالأساليب والمناهج التي تحدثنا عنها سلفًا.

بعض المبادئ الخاصة بالأسلوب

على الرغم من أن القضاء على الشدة والعنف وتحقيق السلام العام بين الناس هما هدفان مهمان بالنسبة لنا، إلا أنه من الواجب علينا أن نتجنب جميع أنواع الادعاءات في هذا الصدد.. وألا ننسى أن كل شيءٍ بيد الله، إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل، فبدون مشيئته لن تستطيعوا التقدم قيد أنملة حتى وإن بذلتم كل ما في وسعكم وأفرغتم كل ما في جعبتكم.. لكن هذا لا يعني إنكار إرادة الإنسان، وتجاهل الأسباب، على العكس من ذلك لا بد من تقديم الإرادة والعمل والنضال بالطريقة التي نعتقد صوابها، ضمن حدود قوّتنا وإمكاناتنا، ولكن لا ننسَ أن النتيجة بيد الله تعالى، فهو من يضع المحبة في القلوب، ويقرِّب الناس من بعضهم، وبدهي أنه من المستحيل أن يفهم هذا أولئك الذين يبحثون عن كل شيء في المادة والقوّة والطاقة.

وثمة جانب آخر للمسألة وهو: قد يكون لدينا خطط وتصورات وأُمنيات من أجل خير الإنسانية وصلاحها، ونرغب بالفعل في تحقيق الأشياء التي نراها جميلة، ولكن إن لم نحدد النقطة التي تتلاقى فيها الحقائق مع أفكارنا المثالية بشكلٍ صحيحٍ فلن يفيد أيٌّ من هذا شيئًا، وقد تُقابل الخطوات التي نخطوها بردودِ فعلٍ سلبيّة؛ ومن ثَمّ يجب أن ننظر قبل أن نقع في المشكلة هل لدينا طاقة كافية لتصحيح الأمر أم لا؟! وأن نحسب جيّدًا ما إذا كانت الخطوات التي نخطوها ستفي بغرضنا أم لا؟!

إننا نعيش في عالمٍ نجد فيه أنَّ مَن يثيرون المشاكل هم أنفسهم الذين يشتكون منها، والأدهى من ذلك أن هؤلاء جميعًا يتظاهرون بالشكوى، ويدبّرون من الخلف المكائد والمؤامرات التي لا يتصوّرها عقل، فيثيرون المشاكل بلا داع؛ خدمة لحساباتهم الشخصية وإستراتيجياتهم الذاتية؛ فمثلًا يندّدون في الظاهر بالعنف والتطرف والإرهاب، وفي الخلف يدعمون المتطرفين والإرهابيين، فإن كنتم ستضعون خططًا وإستراتيجيات تتعلق بهذا الشأن فلا بد أن تكونوا على وعيٍ بكلِّ هذا.

وأخيرًا نقول: من الصعب للغاية مكافحة العنف والتطرّف والإرهاب والقضاء عليهم بعد ظهورهم؛ حيث يتراجع العقل والمحاكمة العقلية خطوةً إلى الوراء بعد أن يأخذ الناس بتلابيب بعضهم، وتنبعث رائحة الحقد والكراهية من جديد، ولا يستمع أحدٌ لأحدٍ؛ ولهذا يجب عرقلة ظهورِ مثل هذه المشاكل منذ البداية أو التنبُّؤ مسبقًا بالأوضاع التي يُحتمل أن تكون سببًا لهذه المشاكل، والانقضاض عليها وحلها.. فما يجب على العقلاء من الناس هو قراءة سير الأحداث قراءة صحيحة، وتجهيز الوصفات العلاجية مسبقًا للمشاكل المحتملة.